بقلم أحمد حسونة
التعاطف مع الرجل المنتقم من إنتاج 2002 هو أول فيلم من ضمن ثلاثية الأنتقام للمخرج الكوري المتميز " بارك شان ووك" و الفيلمان الأخران هما "الولد الكبير"إنتاج عام 2003 الذى حاز علي جائزة لجنة التحكيم بمهرجان كان عام 2004 و" التعاطف مع المرأة المنتقمة" إنتاج عام 2005
وقد أبهرني الفيلم تكنيكيا لما يحتويه من تجديد لأسلوب السرد والفكاهة المريرة و جماليات العنف التي تعد من أحدي السمات في السينما المعاصرة. و يذكرنا هذا العمل الفني بفيلم "أقتل بيل" لتارانتينو حيث أن العملين قد توحدا و تشابها فى تيمة الانتقام التي تجمع بينهما إلي جانب التجديد في السرد و تناول رؤية جديدة للعنف بالرغم من وجود أختلافات كبيرة بين الفيلمين
تدور الأفلام الثلاثة حول تيمة الأنتقام, و التي تعد من اقدم التيمات فى السينما العالمية من حيث التوحد القوى بين المشاهد و البطل فى صراعه مع الشر و تطهر كلا من البطل و المتفرج خلال هذا الصراع. كل ذلك يؤدي إلي زيادة الأيرادات لدي المنتجين، و بالتالي بحثهم عن هذة النوعية من الأفلام
قدمت السينما العديد من الكلاسيكيات و الأفلام ذات النجاح الكبير بداية من قصة "الكونت دى موند كريستو" و قد مصرتها السينما المصرية فى العديد من الأفلام منها أمير الأنتقام عام1950
و فى السينما العالمية "كلاب من قش" لسام بيكنبام و "نقطة فارغة" لجون بورمان،و "أنزع الوجه" لجون ووه و"عصابات نيويورك" لمارتن سكورسيزى و "أقتل بيل" لتارنتينو, و الذى ذكرناه فى بداية المقال
تراوحت هذه الأفلام بين النجاح الجماهيرى و النجاح الفني، مما خلق مساحة للمخرجين ذوي الرؤية الفنية للتعامل مع هذه التيمة
و فى هذا المقال سنتعرض لسيرة المخرج الذاتية و فيلمه " التعاطف مع الرجل المنتقم
ترعرع المخرج الكوري بارك فى سيول، و درس الفلسفة بجامعة سوجانج، حيث أنشأ ناديا للسينما و نشر عدداً من المقالات عن السينما المعاصرة. بعد تخرجه بقليل أصبح مساعد مخرج فى عدد من الأفلام الكورية المهمة
و فى عام 1992، أخرج فيلمه الروائي الأول" القمر هو حلم الشمس", و بعدها بخمسة أفلام أخرج فيلمه الثاني "الثلاثى" و لكن لم تكن الأستجابة قوية لهذين الفيلمين, و كان مازال أكثر شهرة كناقد عن كونه مخرجا
و فى عام 2000، أخرج بارك فيلمه "منطقة الأمان المشتركة", و قد حقق هذا الفيلم نجاحا جماهيريا منقطع النظير, و عد أكثر الأفلام الكورية مشاهدة بكوريا الجنوبية
منذ ذلك الحين، أستطاع بارك أن يكون أكثر أستقلالية فى صنع أفلامه مما نتج عنه فيلم " التعاطف مع الرجل المنتقم " إنتاج2002
ثم أخرج بعده فيلمي "الولد الكبير" و "التعاطف مع المرأة المنتقمة" و بذلك كون ثلاثية الأنتقام التي لم يكن يخطط لها فى البداية
و من المخرجين العالميين الذين أبدو أعجابهم بعمله المخرج الأمريكي تارنتينو، الذي حاول علي حد قوله أن يدفع بفيلم بارك " الرجل الكبير" أن يفوز بجائزة السعفة الذهبية عام 2004 و لكنه لم يستطيع لأعتبارات سياسية كانت مسيطرة على أجواء المهرجان بسبب الغزو الأمريكي للعراق. و قد فاز بالجائزة مايكل مور عن فيلمه فهرنهايت 9/11 . و بالرغم من ذلك فاز فيلم "الولد الكبير" بالجائزة الكبرى التي تاتي بعد جائزة السعفة الذهبية بالمسابقة الرسمية بمهرجان كان
بارك ليس مخرجا فقط، إنما كاتب سيناريو و ناقد أيضا. وقد تم ترشيحه كأحد أعضاء لجنة الأختيار بمهرجان فينسيا الدولي عام 2006
و حاز على جائزة ألفريد باوير، بمهرجان برلين هذا العام عن فيلمه الجديد
I am a cyborg, but that 's okay
و تهدي هذه الجائزة للأعمال المتميزة, و التي تفتح أفاقا جديدة فى السينما المعاصرة
حكاية الرجل المنتقم
يدور فيلم "التعاطف مع الرجل المنتقم" حول ريوو و قام بتمثيله شين ها كيون , شاب ابكم و أصم، يصف نفسه بأنه طيب و يعمل بكد فى أحد المصانع لكي يعيل أخته التي ضحت بالكثير من أجله و التى فى حاجة إلى ان تقوم بعملية نقل كلي حتي يمكنها الأستمرار فى الحياة
يطرد ريوو من عمله, و تحتال جماعة تتاجر فى الأعضاء البشرية، علي ريوو بأخذها10 ملايين ون التي أدخرها لعلاج أخته أضافة إلي كليته فى مقابل أن يعطوه كلية مطابقة لفصيلة الأخت. و لكنهم يخدعوه و يأخذون المال و كليته و يتركونه عاريا فى مبني تحت الإنشاء و الذي تمت فيه العملية
بعد واحد و عشرين يوما من الحادث, يخبره طبيب المستشفى بأنهم وجدوا كلية من نوع فصيلة دم الأخت وعليه أن ياتي بأخته و النقود فى خلال خمسة أيام. تجن الأخت عندما تعلم مافعله بالنقود و نفسه و تركله, و تنعته بالغباء
نتعرف بعد ذلك على "شا" صديقة ريوو، و هى تكتب خطابا تحكم فيه بالأعدام علي شخص , كعضوة فى جماعة أرهابية- يبدو أنها العضوة الوحيدة فى الجماعة- و "
" شا كشخصية لديها الكثير من الأفكار المنحرفة نراها تقدم الحل الى ريو وذلك بأنها اقترحت عليه أن يقوم بخطف أبنة رئيسه السابق فى العمل لكي يطلب فدية مقابل أطلاق سراحها. يتقبل ريوو الأمر بعد جدال طويل مع صديقته و التي تبرر له بأن هذا المال لا يساوي شيئا لرئيسه و أنه لن يضر الطفلة
وبالفعل يقومان معا ريوو و صديقته بمراقبة رئيس المصنع، و لكن يعدلان عن خطتهما، و يقرران خطف ابنة جار رئيس المصنع, ويدعي بارك دونج جين قام بتمثيله ( سونج كانج هو ) حتي لا تحوم الشبهات حول ريوو بأنه قام بخطف الطفلة بدافع الإنتقام
ينجحان بالفعل بخطف الطفلة دون أن يعلموها بذلك، و يدعيان أمام أخت ريوو بان والدها طلب أن تبقى معهم لعدة أيام و يطلبوا فدية من الأب فى حدود المبلغ المطلوب للعملية
ينفذ الأب التعليمات بدقة خوفا علي حياة أبنته، و التي لم يبقى له غيرها بعد أن هجرته الزوجة و تزوجت بأخر
وتنجح الخطة و يعود ريوو إلي المنزل سعيدا ، إلا أن هناك فاجعة تنتظره. فقد عرفت أخته بأنه فصل من العمل و لم يخبرها و أنه خطف الطفلة لينقذها، فتترك له رسالة توصف ما فعله بأنه فظيع و عليه أن يرد الطفلة إلي والدها
تلك كانت أمنيتها الأخيرة قبل أن تقطع شراينها و تموت
يبكي ريوو بكاء حارا علي أخته, ويذهب هو و الطفلة و معهما جثمان الأخت إلي ضفة النهر لكي يدفنها هناك تلبية لرغبتها حيث كانا يلعبان فى الصغر معا
يحالف سوء الحظ ريوو، فتسقط الفتاة فى النهر و تغرق بينما كان ريوو منهمكا فى دفن أخته,وبسبب عجزه عن السمع فقد استطاع ان يغرق فى عالم اخر وهو يدفن شقيقته دون ان ينتبه لغرق الطفلة، وتأتي الشرطة بعد ذلك إلى مكان الحادث و معهم الأب، الذى ينهار عندما يجد أبنته لا تدب فيها الحياة
يبدأ الأب فى مراجعة نفسه إن كان له أعداء كما سأله المحقق، فيتذكر العامل الذي فصله و يذهب أليه فى منزله برفقة المحقق. فيجده هو و أسرته قد أنتحروا بوجبة مسمومة، و يجد أحد أبناء الرجل مازال علي قيد الحياة فيأخذانه إلي المستشفى و يدعي أنه والد الطفل
و من خلال سلسلة التحقيقات و البحث, يتأكد الأب بأن ريوو و صديقته قد قاما بهذا العمل الشنيع بهدف إنقاذ اخته إلا أن هذا لا يمنعه من أن ينتقم
فى نفس الوقت يقرر ريوو الأنتقام من جماعة بيع الأعضاء لإنتحار أخته. فتبدء سلسلة إنتقامات متوازية يبدءها ريوو بقتل أعضاء الجماعة و يطعن بطعنة نافذة فى عملية الأنتقام هذه
على الجانب الأخر يقوم دونج بتعذيب و صعق صديقة ريوو بالكهرباء و تقول له قبل أن تموت بأنها شخصية مهمة و فى حالة موتها سيقوم بعض الأشخاص بقتله حيث أنها أعطتهم صورته،ولكننا جميعاً كنا نعلم انها الشخص الوحيد داخل هذه الجماعة
يذهب الأب بعد ذلك ليطمئن علي أبن العامل الذى مازال فى حالة حرجة، ثم يتجه إلي منزل ريوو و ينتظره هناك. يكلمه المحقق و يقول له أن ريوو قد أكل كلي أفراد جماعة بيع الأعضاء ، و تبدو أثار ذلك فى غرفة ريوو!!
يحزن ريوو لمقتل صديقته، و يبدء فى مراقبة منزله، خوفا من أن يكون هناك أحد يتربص به. بعد عدة ساعات يطمئن للموقف، و ما أن يمد يده علي مقبض الباب، حتي يصعق بالكهرباء و يجره دونج إلي الداخل
يخرج دونج غضبه فيه، ويحاول أن يقتله بالسكين و لكنه يتوقف ويقرر بعد ذلك ان يجذب دونج ريوو موثقا بالحبال إلي النهر حيث غرقت أبنته، و يقطع قدميه من عند الكعب، و يتركه ينزف حتي الموت، ثم يقوم بتقطيعه أربا بالسكين، و يعبئه فى أكياس
تخبر المستشفي دونج بأن الصبي الذي أدعي أنه أبنه قد مات و عليه أن يستلم الجثة، و لكنه يقول أن الرقم خطأ، و يغلق الخط
و تأني نهاية الفيلم مفاجاة للمشاهدين و دونج معا، فما قالته صديقة ريوو لم يكن من باب الأرهاب فقط، انما كان هناك بالفعل جماعة مكونة من أربعة أشخاص تستقل سيارة و معهم صورة الأب, و يقومون بطعنه عدة طعنات.ثم يخرج أحدهم ورقة و يضعها علي صدر الأب و يثبتها من خلال طعنة بالسكين، و يحاول الأب قرائتها ليجد انه " محكوم عليه بالموت"
تتركه الجماعة ملقي على الأرض يصارع أنفاسه الأخيرة بجانب سيارته، و أمامه الأكياس التي بها جثة ريوو و ينتهي الفيلم عند هذا المشهد المؤلم
تحليل الفيلم
يطرح الفيلم العديد من التسأولات حول ريوو و دونج جين كونهما الشخصيتين الرئيسيتين فى الفيلم. هل هما أبطال بالمعني المتعارف عليه فى هوليود؟ ماهى دوافعهما للأنتقام، و المواصفات الشخصية و الجسمانية و النفسية لكلا منهما؟
لقد مات كل من ريوو و جين فى نهاية الفيلم نتيجة أنتقامهما, و لم يعيشا مثل معظم أبطال هوليوود, و لم يطهرهما لبداية جديدة, أنما قادهما إلى حتفهما الأخير
أن ريوو شاب أصم و أبكم من الطبقة البروليتارية و يفقد عمله بسهولة بالمصنع،وهو أبعد ما يكون عن أحلام وخيالات الجمهور عن البطل. و بالتالى لن يستطيع الجمهور أن يتوحد معه , و لكنه قد يتعاطف معه، أو يتوحد معه فى لحظة الأنتقام، و ليس اكثر من ذلك
أما دونج جين فنراه فى أول مشهد له يواجه العامل الذى فصله من العمل، و يرفض أن يعيده مرة أخري، فتكون النتيجة أن يقطع العامل نفسه أمامه، و يحاول ان يردعه عن ذلك و لكنه يصاب هو ايضا بالسكين. و لاحقا ينتحر العامل هو و اسرته نتيجة فقدانه للعمل. فدونج لديه مشكلات أيضا, و لا نستطيع أن نقول أنه بطل تقليدى
و عن دوافع الأنتقام لكلا منهما نجد ريوو ينتقم لموت أخته من جماعة بيع الأعضاء، بالرغم ان اخته قد أنتحرت نتيجة خطفه للفتاة، فهو السبب الحقيقى للوفاة، و لكنه يلقى اللوم على الجماعة. و من المثير للعجب أنه لم يحاول ان ينتقم لمقتل صديقته، فبعد ان أصبح ذئبا بشريا يأكل كلى الجماعة، تحول إلى شخص خائف من أن يقتل، بدلا من ان يحاول الأنتقام لها
اما دونج، فقد قرر الأنتقام من ريوو و صديقته "شا" بالرغم أنهم لم يقتلوا طفلته عمدا، بل كانا يتعاملان معها بكل حب، حتي ابنته قالت له بعد الوفاة فى مشهد مثل الحلم "لماذا لم تعلمني السباحة من قبل يا أبي؟" فالأبنة تلقى اللوم أيضا على الأب، و الأب يلقى اللوم على ريوو و ريوو يلقى اللوم على جماعة الأعضاء، و "شا" تلقى اللوم على نظام الرأسمالية فى البلد, و بالتالي يبرر الجميع تصرفاتهم, فهم أبطالا غير حقيقيين لا يتحملون المسئولية
و لكن هل الأبطال لابد أن يكونوا أقوياء و لا يموتون او أن يتغلبوا على جميع نقاط ضعفهم؟ يعود بنا المخرج بارك إلى الأسطورة اليونانية, و بالذات اسطورة حرب طروادة عندما مات بطل حرب طروادة اخيل من سهم مسموم فى كعبه، و هى المنطقة الوحيدة الضعيفة فى جسد هذا البطل الأسطورى. و يجسد بارك هذه الأسطورة بقطع كعبي ريوو ليتركه ينزف حتى الموت. فالمخرج لا يريدنا أن ننفى صفة البطولة عن ريوو، بل هو يمجده كبطل أسطورى. فيذكرنا بارك بأن الأبطال أنفسهم لهم نقاط ضعف و يمكن أن يقتلوا، فأبطاله أكثر إنسانية من أبطال هوليوود
من هنا نجد أن ريوو و دنج بطلان أو وجهان لعملة واحدة: الأنتقام الأعمي الذى لا فائدة منه يعبث بالنسق الكوني و يؤدي إلي أحداث عبثية. و قد جسد المخرج فكرة البطلين كأنهما شخص واحد بعمل مونتاج متواز بارع بين مشهدين كان ريوو و جونج يردان بنفس الإجابات على تصميمهما على الانتقام ونرى ذلك من خلال صورة البطلين المتناقضة, التي تحتوى علي كثير من المفارقة. يتميز فيلم بارك بشكل عام من ناحية السرد و الأسلوب بهذه الخاصية، وهي سمة هامة فى أفلام ما بعد الحداثة
وقد ذكر بارك فى عدة لقاءات صحفية أنه يفضل أن تكون الأشياء غير مؤكدة و محددة, فهذا يعطي مساحة للمتفرج كي يفكر و يستنتج الأمور, و يعتقد أن هذه أحد الأسباب التي تجعل المتفرجون يخشون من الفرجة على أفلامه، فهم لا يعلمون إن كان يجب أن يضحكوا أم يبكوا، ان يحبوا أو يكرهوا، فهو يطرح فكرة، ثم يناقضها بعدها مباشرة مما يخلق مفارقة، و حيرة فى نفس الوقت لدى المشاهد
فمنذ بداية الفيلم و المفارقات تبدأ، فريوو أبكم و فى حاجة إلي شخص يقرأ الرسالة التي أرسلها إلي أخته, فى نفس الوقت يجلس مع أخته ليستمع إلي الرسالة.بالرغم أنه أصم. وهى مفارقة أنسانية و جياشة بالعواطف

و هذه المفارقة ستتكرر مرة أخرى عندما يدفن ريوو أخته و ظهره للنهر، بينما تسقط الفتاة المخطوفة فى النهر و تنادي عليه, بينما لا يراها و لا يسمعها ريوو فى هذه اللحظة. وعندما يذهب البوليس إلى شقة "شا" و التي صعقها دونج نراهم يخرجونها من الشقة على الكرسى فى وضع الجنين و هم ينظرون بلا مبالاة
يستطيع بارك أن ينتقل من السخرية الى التراجيديا بشكل ساحر يتميز به فى أعماله، و هو فى هذا الفيلم قريب من روح أفلام ألمودوفار، و لكنه يدفع بالمفارقة إلى حدود أبعد من أفلام ألمودوفار و أكثر قسوة فى معانيها
و مفارقاته تذهب إلى أبعد من ذلك عندما يشهد الأب أبنته الغارقة تختفى الصورة و تظهر أمامه و جسمها مبتل، فيحتضنها الأب و يلعب معها ليقطع المخرج من لقطة ذاتية ألى لقطة موضوعية من خارج الشقة ليشككنا بأن ما نراه ليس حلما، و لكنه واقع محتمل، و يؤكد على هذه النقطة مرة أخرى عندما يأتي المحقق للأب فى الصباح، و يرى بقعة الماء التي خلفتها الفتاة الليلة الماضية. و تأتي نهاية الفيلم تكملة لهذه الفكرة الغامضة، فنحن شبه متأكدين ان "شا" أنشأت هذه المنظمة بنفسها، و لم يكن معها احد، هذا ما تؤكده الشرطة، و لم يأخذ دونج حديثها فى عين الأعتبار. و لكننا نجد هذه الجماعة الأرهابية تنتقم لموت "شا" من دونج، و يتذكر دونج صوت "شا" و هى تهدده. هل هذا واقع أم عالم أخر تدخل فى العالم الواقعي و غير مساره

بالرغم من ذلك، يريد المخرج أن نتعامل مع الأشياء بحرية أكثر، و بدون أن يطغي الواقع على رؤيتنا، و فى هذا مفارقة أخرى
بالأضافة إلي ذلك يتميز المخرج بالتركيز على النقاط الإنسانية البسيطة، و التي لا تلقى بالا إليها هذه النوعية من أفلام الأنتقام ، فمثلا يقوم ريوو بمساعدة الرجل العجوز بجانب بنايته على أرتداء سرواله, أو عندما يمسك بيد صديقته المتوفية فى المصعد. وعندما يلعب ريوو مع الطفلة كأنها أبنته بعد حصوله على النقود
و قد راعي بارك كما يقول، إظهار ثقافة الفقر فى منزل ريوو و أخته حيث أن الفقراء يرتبون منازلهم و أغراضهم بطريقة تختلف عن الأثرياء
حتي تكنيكه السينمائى، و الذى يعتمد فى الأساس على التجديد ، فإن عنصر الواقعية فيه هو احد مصادره إلهامه. فمثلا فى المشهد الذى يسأله الدكتور لماذا كذب ريوو عليه و أخبره بأن دمه من نفس فصيلة الأخت ليأخذ كليته. يقطع من داخل الغرفة إلى الخارج لنسمع صوت المطر بالخارج و يعلق المخرج على ذلك بأنه وجد أنه من المنطقى أن نسمع الصوت الخارجي و ليس الداخلى كما يفعل الكثير من المخرجين
و يأتي جانب أخر تكنيكي يستخدمه المخرج للحصول على المفارقة و هو الكشف التدريجي للأحداث ، و نجد ذلك واضحا أيضا منذ بداية الفيلم
يبدء الفيلم بمشهد مؤثر بلقطة قريبة خارج البعد البؤري ثم يتم ظبط البعد البؤري لنكتشف أمرأة تقرأ فى المذياع رسالة من ريوو إلي اخته يسرد فيها كيف ان أخته كدحت فى العمل ليدخل كلية الفنون التي يحبها و لكنها مرضت، و أصبح عليه أن يعمل لساعات طويلة من أجل العناية بها, و يخبرها فى الرسالة التي أراد أن يقرأها أحدا لأخته لأنه أبكم بأنه سوف يدفنها بجانب النهر كما تتمني و لكن ذلك بعد 80 سنة من الأن لأنه قرر أن يتبرع بكليته لها و لن يخضع لرفضها لهذه الفكرة.فاللقطة الأولى ذاتها تحمل فكر المخرج الذى يريد أن تكون الأشياء غير واضحة فى البداية ثم تتضح.و يتنقل المخرج بين مشهد غرفة الأستوديو و مشهد السطح الذى تستمع فيه أخت ريوو إلي المذياع و بجانبها أخوها الذي ذكر فى الرسالة أنه سيكون مع أخته وقت قراءة الرسالة. و مشاهد إسترجاعية من ذكرياته معها فى الطفولة و رسم كان قد رسمه من لحظة فى الماضي


و فى مشهد الإستمناء الذي ذكرته من قبل، يلعب المخرج على الكشف أيضا من خلال حركة الكاميرا من شقة إلى أخرى. وهناك مفارقة أو مقابلة أخرى لهذا المشهد عندما يتصنت دونج من الجدار الداخلى لشقة ريوو للشقة المجاورة للطلبة و هم يستمعون إلى البرنامج الذي أرسل ريوو الرسالة ألى أخته من خلاله، و يتعرف دونج علي معلومات ساعدته فى الوصول إلي ريوو


يستخدم بارك تكنيك التكرار بجانب تكنيك الكشف التدريجى، ليثبت فكرة المفارقة فى الفيلم. فنحن نرى ريوو و أخته يلعبان بجانب النهر و هما أطفال فى لقطة من أعلى، ثم اللقطة تتكرر عندما يدفن أخته فى هذا المكان ليخلق مفارقة بين الحياة و الموت، ثم لقطة شبيهة جدا بهما، و لكن فى النهر عندما يجر دونج ريوو فى النهر بعد أن قتله, و هي مفارقة أخرى أن يموت ريوو فى نفس النهر التي غرقت به أبنة دونج، و دفنت بجانبه أخت ريوو
فالتكرار عنده مثل موسيقى الباروك التي تتكرر بها النغمات و الألحان، لا لتجعلنا نشعر بالملل، أنما بعمق اللحن و قيمته

الفيلم بداية رائعة لثلاثية غير عادية عن الأنتقام، قدم فيها الكثير، فهل مازال فى جعبته ما يقدمه فى "الولد الكبير" و " التعاطف مع المرأة المنتقمة"؟
نشرت بمجلة دبي الثقافية
No comments:
Post a Comment