هدفها ليس مناهضة هوليود او سينما الحداثة
تبلور مفهوم ما بعد الحداثة فى السبيعينات من القرن العشرين عندما رأي عدد من الكتاب ( ينتمون إلى مجالات ثقافية مختلفة مثل الفلسفة والعمارة والدراسات السينمائية والأدبية) انه قد حدث تحول كبير فى فى الظواهر الاجتماعية والثقافية عما كانت عليه من قبل ، واصبح من الضرورى التحدث عما بعد الحداثة.
![]() |
كازابلانكا |
تميزت افلام هذا النمط بسرد محكم للحبكه واستخدام العناصر المختلفة للفيلم من صوت وصورة ومونتاج و تمثيل كعوامل مساعدة للحبكه مما يساعد المتفرج على ان يتوحد مع الفيلم ويتوهم ان ما يراه على الشاشة هو الواقع بعينه.
ثم جاءت سينما الحداثة فى الخمسينيات من القرن الماضى كاتجاه مضاد لهوليود بحيث كان همها الأول هوالتعرف على ماهية الفيلم وامكانياته وبالتالى بدأت تعمد الى ان يكون السرد غير محكم ، وان تشكك فى مصداقيتة ، وان تستخدم العناصر المختلفة من صوت وصورة ومونتاج وتمثيل للبحث فى ماهيه الفيلم، وليس لمجرد خدمة السرد، واصبحت تذكرنا من حين الى آخر بان ما نراة على الشاشة هو مجرد فيلم وليس واقعاً ، ومن الجدير بالذكر ان نظرية " سينما المؤلف" قد ترعرت فى احضان سينما الحداثة فهى تؤكد على هيمنه المخرج على أداوتة، وانه صاحب فكر واسلوب متفرد ، وان تميزه لا يرجع فى المقام الأول الى توصيل حبكة الفيلم الى جمهور السينما العريض ، وانما يعبر عن فكره الفني والسياسي والاجتماعي مما أدى ذلك الى تعقيد الفيلم وصعوبة فهمه على الجمهور .
فى نفس الوقت الذى كانت سينما الحداثة تمثل فيه اتجاها جديدا يحاول الهيمنه على الواقع السينمائي بدلا من سينما هوليود، بدات مظاهر ثقافة ما بعد الحداثة فى الظهور ، وكانت إحدى معالمها الاساسية الثقافية الجماهيرية التى شملت التليفزيون وانتشار أفلام من نوع حرف "ب " اى قليلة التكاليف وموسيقى الروك آند رول وأفلام الكارتون والمسلسلات التليفزيونية وعرض أفلام هوليود القديمة على شاشة التليفيزيون وازدهار الاعلانات.
![]() |
هيروشيما حبي أنا |
![]() |
لوحة ميكي ماوس لأندي ورهول |
وقد مثلت هذه الثقافة إضافة الى تاريخ سينمائى حافل ، الخلفية الاساسية لمخرجى ما بعد الحداثة.
![]() |
تكلم إليها لبيدرو ألمودفار |
وجدير بالذكر ، أن سينما ما بعد الحداثة لم تأت كحركة مضادة لسينما الحداثة او سينما هوليود، وإنما جاءت لتتفاعل وتثرى الساحة السينمائية دون الخوض فى مسائل أيديولوجية.
![]() |
الطباخ و الحرامي و زوجته وعشيقها لبيتر جريناواي |
ديفيد لينش :
قمت منذ فترة مضت -١٩٩٤ تقريبا- بتقديم برنامج سينما ما بعد الحداثة بجميعة نقاد السينما المصرين ، وقد قمت بإختيار أربعه أفلام لأربعه مخرجين من بلدان مختلفة هم " ديقيد لينش ، واتامى جوزو و بيدرو المودفار و بيتر جريناواى.. و نتعرض هنا لخصائص أفلام ديفيد لينش و عرض فيلم " الطريق السريع المفقود" كمثال لأفلام ديفيد لينش، و سينما مابعد الحداثة.
خصائص افلام ديفيد لينش
![]() |
القلب المتوحش |
٢-النوستاليجا او الحنين و
الباروديا او المحاكاه الساخرة وهم حالتان متناقضتان تنتابان المشاهد عند مشاهدة أفلام ما بعد الحادثة أو افلام ديفيد لينش نتيجة لاستخدام المعارضة، بمعنى ان توجد تقاليد السينما الكلاسيكية لما تحملة من قيم أخلاقية وإنسانية جميلة نود ان نستعيدها ، ووضعها فى زمن معاصر او احداث يستحيل ان تتواجد فيه بالاضافة الى ذلك تنتج الباروديا عن مقابلة أنواع فيلمية متضادة مثل الكوميديا والميلودراما أو إعادة تقديم مشاهد قديمة بشكل ساخر.
![]() |
المخمل الأزرق |
![]() |
موهولاند درايف |
![]() |
الرأس الماسح |
الطريق السريع المفقود وآلية المقاومة
![]() |
بيل بولمان في دور فريد ماديسون مفي الطريق السريع المفقود |
فريد مادسون عازف ساكس ذو شخصية مضطربة يعانى من عدم قدرتة على إقامة علاقة جنسية مع زوجتة رينيه ، ويشك أنها على علاقة بشخص يدعى اندى . تقتل رينيه ويتهم فريد بقتلها بحيث يوجد شريط فيديو يدينه ، يوضع فريد بالسجن تمهيدا لإعدامه. تنتاب فريد نوبات صداع شديدة ، وفى إحدى الليالى يتحول فريد إلى شخصية اخرى تدعى بيت دايتون .
ِبِيت - لا يعلم ما الذى أتى به إلي السجن ويحضر أهله لاصطحابة إلى المنزل، ويرفضون التحدث عما حدث الليلة الماضية .
![]() |
بولثازار جيتي في دور بِيت دايتون |
![]() |
باتريشيا اركويت في دور رينيه |
يعود فريد الى مظهرة الأول ويذهب الى الفندق " الطريق السريع المفقود" الذى تمارس فيه رينيه الجنس مع ايدى /ديك لورانت
يخطف فريد ديك الى الكوخ ويتبعه الرجل الغامض الذى يساعد فريد على قتل ديك لورانت .
فريد يعود الى منزلة يبقى ويتحدث عبر التكتافون بأن ديك لورانت مات وهى نفس العبارة التى يسمعها فريد وهو قابع فى منزله فى بداية الفيلم، يطارد فريد من قبل البوليس ، ويبدو عليه الا ضطراب ويبدا فى التحول مع صرختة التى تتلاشى على الطريق السريع.
تحليل الفيلم:
إن أهميه التحليل ومحاولة تفسيره برغم مقاومته للتفسير هى الكشف عن آليه هذه المقاومة ، وأين تكمن فى الفيلم ، وهل هذه المقاومة تفقدنا القدرة على فهم الفيلم والتفاعل معه كلياً أو جزئياً.
وسوف أبدأ بأقل درجات المقاومة فى الفيلم وهى شخصية الفيلم فريد ماديسون ولنبدا بالحوار التالى:
رينية : انا اكره كاميرا الفيديو.
فريد : انا احب ان اتذكر الاشياء كما احب
المخبر : ماذا تعنى؟
فريد : أى بالطريقة التى اتذكرها، ليس بالضرورة كما حدثت.
يعتبر هذا الحوار أحد المفاتيح الأساسية لفهم فريد والفيلم. ففريد لديه نظرة ذاتيه مضطربة ناتجة عن عجزة الجنسى وخيانه زوجته له مما يشكل عبئا هائلا يجعله يعيد صياغه حياته كلها فى مخيلته بالشكل الذى يريده ، وليس بالشكل الذى حدث ، ففريد يريد ان يبرىء نفسه من عجزه، ومن ان زوجته خائنة ، ومن جرائم القتل التى ارتكبها، فيتحول الى شخص جديد وهو بيت دايتون.
![]() |
باتريشيا اركويت في دور رينيه |
.
![]() |
باتريشيا اركويت في دور اليس |
![]() |
الرجل الغامض |
وقد اختار المخرج ان يكون السرد محاكيا للتركيبية النفسية والعقلية المشوشة ، التى تقوم بطرح افكار / أحداث ثم الغاها او تحويرها ، مما يحافظ على توازنة النفسى بقدر المستطاع وهذا ما يحدث فى السرد أيضا.
فالسرد يحاول ان يعطينا قصة منطقية بقدر الامكان ليساعد على الاحتفاظ بكونة سرداً، ومن هنا تبدا المقاومه للتفسير تظهر على السطح من خلال:
١-وضع الواقع والواقع المحاكى على نفس المستوى من المصداقية فى السرد وذلك يتفق مع مفاهيم ما بعد الحداثة التى تتحدث عن الواقع المحاكى وما فوق الواقعية او الواقعية الشديدة . فالسينمائى يسعى الى محاكاة الواقع من خلال الصور والصوت والعاب الفيديو، والافلام كما يراها مفكروا ما بعد الحداثة مثل جان بوريلار اكثر واقعية من العالم نفسة بدرجة ما .
٢-ازدواجية الافراد وقد تم التأسيس لهذه الفكرة منذ بداية الفيلم ، وهى مرتبطة بفكرة العالم والعالم المتخيل اذا كانت هناك امكاينه لوجود عالمين فلم لا يتعدد الافراد ؟
٣-تداخل الازمنه " الماضى والحاضر والمستقبل " كأننا نشاهد احداث الفيلم فى الحاضر ، فالفيلم يتكون من احداث ومشاهد معلقة فى الزمن لا نعرف ان كانت تنتمى الى الماضى ام الحاضر ام المستقبل مع ارتباط هذه المشاهد ووضعها فى الشكل السردى الذى اختارة لينش ، نراه يفرض علينا مشاهدة احداث الفيلم كأنه فى الحاضر وهى اكثر مناطق الفيلم مقاومة لفهم تسلسل الاحداث .
![]() |
الرجل الغامض و معه الكاميرا |
٥-الفيلم ويفتتح بلقطة على الطريق السريع مما يؤسس فكرة ان الفيلم من نوع أفلام الطريق إلا ان الفكرة تتلاشى مع الاحداث ثم يعود عدة مرات لنصل فى النهاية إلى نفس اللقطه الأولى للطريق السريع . وهوهالمحاولة فى فرض نوع ثم إلغائة تظهر مقاومة الفيلم للتصنيف النوعى.
٦-الخيال العلمى يمثل أحد الأنواع الفيلمية التى استخدمها لينش فى هذا الفيلم بذكاء شديد ، فتحول فريد الى بيت ورجوعه مرة اخرى الى أصلة هى فكرة تنتمى الى الخيال العلمى ومن الممكن ان يتقبلها الجمهور بسهولة فى هذا الإطار مثل فيلم " المصفوفة" و " العودة الى المستقبل " ولكن عندما توضع فى اطار فيلم يفترض أنه لا ينتمى إلى هذا النوع ، فهو يزيد من مقاومه الفيلم للتفسير.- ومن الجدير بالذكر ان ديفيد لينش كتب فى بداية السيناريو " فيلم أسود للقرن القادم"
ولد ديفيد لينش فى عام 1946 بميسولا بمونتانا بالولايات المتحدة الامريكية وكان والدة يعمل كعالم أبحاث بمعهد حكومى للابحاث الزراعية .
![]() |
لوحة لإدوارد هوبر |
لوحة لفرنسيس بيكون |
بعد تخرجه من الاكاديمية عام 1967 ، أخرج الأفلام التالية:
1967 سته رجال يمرضون ( فيلم تحريك)
1968 الابجدية
1974 بدون ساقين
1976 الرأس الماسح الذى اعتبر من ضمن كلاسيكيات السينما الطقسية
1980 الرجل الفيل ، ورشح لثامنى جوائز اوسكار
1986 المخمل الازرق الذى حصل على احسن فيلم ، احسن اخراج ، احسن ممثل
مساعد ، واحسن تصوير من جميعة النقاد الامريكية ، ورشح لأكثر من جائزة.
مساعد ، واحسن تصوير من جميعة النقاد الامريكية ، ورشح لأكثر من جائزة.
1990 بدء عرض مسلسل توين بكس
1990 القلب المتوحش الذى حصل على السعفة الكبرى فى مهرجان كان
1997 الطريق السريع المفقود
1998 قصة ستريت
المراجع
- New developments in film theory
Patrick Fuery
- The films of David Lynch
John Alexander
- Lynch on Lynch
Chris Rodley
- The Post-Modern Reader dited
تم نشر هذه المقالة بمجلة السينما الجديدة العدد الأول-مارس ٢٠٠٢
No comments:
Post a Comment